الشيخوخة ليست بذلك السوء

د.أحمد ابراهيم

دعونا نعيد تعريف عملية كبر السن أو الشيخوخة، لنؤكد أنها مصدر للفرح والبهجة. فقد وجد مكتب الإحصاء الوطني في بريطانيا، أن كبار السن هم أكثر فئات المجتمع رضاء بحياتهم وشعورا بالسعادة. وورد ذلك في مقال للكاتبة (جانيت ستريت بورتر) بصحيفة (إندبندنت)، موضحة أنها في الـ(71) من العمر ولا ترى أن عالمها يتقلص، بل تشعر بعكس ذلك، مشيرة إلى أنها لا ترى أمامها غير الفرص، وترفض أن تغرق في التفكير الراغب حول جمال الماضي.

وفي اليابان يُصنف بعض الرجال والنساء المسنين الذين تفوقوا في الفنون والحرف التقليدية كـ”كنوز وطنية حية”، وهو تشريف يعترف بمساهماتهم المتميزة في المجتمع، وهي فكرة تعزز الوعي الإيجابي لكبر السن خاصة بالنسبة للشباب الذين ينظرون للشيخوخة برعب.

هل الشيخوخة نقص؟

لكن كثيرين منا يتحدثون عن الشيخوخة باعتبارها نقصا في كل شيء، مما يقلل من متعة الحياة، نقص في الصحة والحركة وعدد الأصدقاء والمال والذاكرة، وكذلك في الوقت المتبقي لنا في الدنيا، وحتى لو لم نتحدث بهذا الوضوح فإن هذه الفكرة مستبطنة عميقا لدى أغلبنا.

كلمة “شيخوخة” تنطوي على كثير من المحمولات السلبية والتمييز في الوعي الجمعي، ومن الممكن أن تكون أسوأ من التمييز العرقي والجنسي. نحن بحاجة -ولأسباب عملية تماما- لإعادة تعريف كبر السن. فالأطباء يؤكدون أن الميول السلبية يمكنها انتزاع ما يصل إلى سبع سنوات من أعمارنا المتوقعة، كما يمكنها أن تؤدي إلى تدهور صحتنا.

جميعنا يرغب في الحفاظ على المظهر الشبابي والحيوي، لكن مع التقدم في العمر تبدأ علامات الكبر تظهر علينا، فما الأسباب العلمية لذلك؟ وكيف يمكننا التخفيف من علامات التقدم في السن التي تظهر علينا؟ وبحسب موقع “فوكوس أولاين” الألماني، فبالإضافة إلى الجينات واختلاف ظهور تقدم السن من شخص لآخر، هناك عوامل أخرى تؤثر في ظهور تقدم السن من بينها نمط العيش والتغذية والبيئة. وحسب تقرير رئيس معهد (لايبنيتس) لبحوث الطب البيئي، (جان كروتمان)، إن 20% حتى 30% من التغيرات التي تطرأ على الجلد سببها عوامل وراثية.  أما النسبة المتبقية بين 70% و80% نتيجتها تأثير عوامل بيئية مثل الأشعة فوق البنفسجية وتلوث الهواء، كما جاء في موقع “هاندلس بلات” الألماني.

ولخص (مارتين دينزل) من معهد ماكس بلانك لبيولوجيا الشيخوخة، بان الشيخوخة لا تؤثر فقط في عضو واحد للإنسان وإنما على الكائن الحي بأكمله. ولذلك فإن التغيرات الخارجية التي تظهر عليه ترتبط بعملية الشيخوخة بأكملها، ويمكن أن تزودنا بمعلومات عن حالتنا الجسمية.

فهل توصل العلماء لعلاج الشيخوخة؟

نجح باحثون بالولايات المتحدة في إعادة البصر لفئران مسنة مصابة بالعمى، كما قاموا بتطوير أدمغة أكثر شبابا لدى الفئران وأنسجة عضلية وكلى أكثر صحة. ويعتقد الباحثون أنه يمكن عكس مسار الشيخوخة في الفئران، ويهدفون لمحاولة تطبيق ذلك على البشر. وأجرى الدراسة باحثون بقيادة (ديفيد سينكلير) أستاذ علم الوراثة في معهد بلافاتنيك بكلية الطب بجامعة هارفارد، ونشرت في مجلة سيل. وحسب دراسة قام بيها (سينكلير)، إن التجارب تظهر أن الشيخوخة عملية قابلة للعكس، ويمكن دفعها “للأمام والخلف حسب الرغبة”. ولخص أيضا في دراسته بأن أجسادنا تحتوي على نسخة احتياطية من شبابنا يمكن تحفيزها على التجدد. وتتحدى الدراسة الاعتقاد العلمي أن الشيخوخة ناتجة عن طفرات جينية تقوض حمضنا النووي، مما يخلق ساحة من الأنسجة الخلوية التالفة التي يمكن أن تؤدي إلى التدهور والمرض والموت.

وذكر الباحثون في هذا المجال بانه ليس الضرر هو الذي يتسبب بتقدمنا في السن. نعتقد أنه فقدان للمعلومات، أي خسارة في قدرة الخلية على قراءة حمضها النووي الأصلي، لذا فهي تنسى كيفية العمل.

وقال (جاي هيون يانغ)، زميل أبحاث علم الوراثة في مختبر سينكلير والذي شارك في الدراسة، إنه يتوقع أن النتائج ستغير الطريقة التي ننظر بها إلى عملية الشيخوخة والطريقة التي نتعامل بها مع علاج الأمراض المرتبطة بالشيخوخة.

التغيرات في الإيبيجينوم تتحكم في الشيخوخة

بينما يمكن النظر إلى الحمض النووي على أنه جهاز للجسم، فإن ما يسمى إيبيجينوم (epigenome) هو البرنامج. وإيبيجينوم هي بروتينات ومواد كيميائية توجد على كل جين، في انتظار إخبار الجين ماذا عليه أن يفعل، وفقا للمعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري في الولايات المتحدة.

يقوم الجينوم حرفيا بتشغيل الجينات وإيقافها. يمكن أن تحدث هذه العملية بسبب التلوث والسموم البيئية والسلوكيات البشرية، مثل التدخين أو تناول نظام غذائي التهابي أو المعاناة من نقص مزمن من النوم. وقال سينكلير إن “النتيجة المذهلة هي أن هناك نسخة احتياطية من البرنامج في الجسم يمكنك إعادة ضبطها.. نحن نوضح سبب تلف هذا البرنامج وكيف يمكننا إعادة تشغيل النظام من خلال النقر على مفتاح إعادة الضبط الذي يستعيد قدرة الخلية على قراءة الجينوم بشكل صحيح مرة أخرى، كما لو كانت شابة”. وأضاف أنه لا يهم إذا كان الجسم يبلغ من العمر 50 أو 75 عاما، سليما أو مصابا بالمرض. بمجرد بدء هذه العملية “سيتذكر الجسم بعد ذلك كيف يتجدد ويصبح صغيرا مرة أخرى، حتى لو كنت كبيرا في السن ومريضا. الآن، ما هو هذا البرنامج، لا نعرف حتى الآن. في هذه المرحلة، نعلم فقط أنه يمكننا قلب المفتاح”.

ولاختبار هذه النظرية، بدأ في تسريع شيخوخة الفئران دون التسبب في حدوث طفرات أو سرطان. بدت الفئران بعمر عام واحد، ولكن تصرفت كأن عمرها عامان، أي أنها شاخت قبل أوانها.

أن تصبح شابا مرة أخرى

ثم قام العلماء بعكس العملية. وابتكر الفريق مزيجا من ثلاثة من عوامل ياماناكا (Yamanaka factors)، وخلايا جلد بشري بالغ تمت إعادة برمجتها لتتصرف مثل الخلايا الجذعية الجنينية أو متعددة القدرات، القادرة على التطور إلى أي خلية في الجسم.

و(عوامل ياماناكا) هي مجموعة من عوامل نسخ البروتين التي تلعب دورا حيويا في تكوين الخلايا الجذعية المحفزة، أي الخلايا التي لديها القدرة على أن تصبح أي خلية في الجسم. وهي تتحكم في كيفية نسخ الحمض النووي لترجمته إلى بروتينات أخرى.

تم حقن العوامل في خلايا العقدة الشبكية التالفة في الجزء الخلفي من عيون الفئران العمياء، واستعادت الفئران معظم بصرها. بعد ذلك، عالج الفريق خلايا الدماغ والعضلات والكلى وأعادها إلى عمر أصغر بكثير، وفقا للدراسة. قال احد المختصين في هذا المجال، كان أحد الإنجازات التي حققناها هو إدراك أنه إذا استخدمت هذه المجموعة المحددة من الخلايا الجذعية متعددة القدرات، فلن تعود الفئران إلى سن الصفر.. بدلا من ذلك، تعود الخلايا إلى ما بين 50% و 75% من العمر الأصلي، وتتوقف ولا تصبح أصغر سنا.. كيف تعرف الخلايا القيام بذلك، نحن لا نفهم بعد”. وأوضح أن فريقه أعاد ضبط الخلايا في الفئران عدة مرات، مما أظهر أن الشيخوخة يمكن عكسها أكثر من مرة، لكن قد تمر عقود قبل أن تبدأ أي تجارب سريرية على البشر لمكافحة الشيخوخة، ويتم تحليلها، وإذا كانت آمنة وناجحة، يتم توسيعها إلى الحجم المطلوب للموافقة الفدرالية الأميركية.

وأكد الباحثون إنه مثلما يمكن للعوامل الضارة أن تعطل الإيبيجينوم، يمكن للسلوكيات الصحية إصلاحه، موضحا بأنه هذا ربما يكون صحيحا لأن الأشخاص الذين عاشوا أسلوب حياة صحية لديهم عمر بيولوجي أقل من أولئك الذين فعلوا العكس.

ما أهم نصائح؟

أكدت دراسة حديثة الآثار المفيدة للتقليل من تناول السعرات الحرارية على مدى تقدم شيخوخة الشخص. فقد تبين من خلال دراسة أعدها مركز البحوث الطبية الحيوية بنينجتون في باتون روج في لويزيانا، أن التقليل من السعرات الحرارية لا يؤثر على الوزن فحسب، وإنما ينطوي كذلك على فوائد تؤثر إيجابيا على الشيخوخة وربما حتى على الأمراض العصبية المرتبطة بها.

فركز على النباتات للحصول على الطعام، وتناول كميات أقل من الطعام، واحصل على قسط كاف من النوم، ومارس الرياضة بقوة لمدة 10 دقائق، 3 مرات في الأسبوع للحفاظ على كتلة عضلاتك، وحافظ على علاقات اجتماعية جيدة.

وفي الختام

من المعلوم أن منظمات الصحة العامة بمجتمعاتنا مهووسة بـالسمنة، لكن إن الأفضل أن تصب هذه المنظمات تركيزها على ميولنا وتوجهاتنا إزاء الشيخوخة وعملية التقدم بالسن. نحن بحاجة لعملية إعادة تربية وتعليم كبيرة تبدأ من مستوى المرحلة الابتدائية. وأن التغيير الذهني يتطلب حلولا عملية وليس اللعب باللغة، وأكد الباحثون في هذا المجال بالتوقف عن الإشارة إلى الناس بأعمارهم، ومنع صناعة منتجات التجميل من استخدام كلمة “مضاد للشيخوخة”. واعتبرت مثل تلك الأمور جزءا من الضغوط لأجل أن يبدو كل الناس شبابا.

وتبقى طريقة التغذية غير الصحية واستهلاك الكحول والتدخين وقضاء وقت طويل تحت أشعة الشمس والإجهاد، عوامل تأثر سلبا في خلايا الإنسان بغض النظر عن عمره وبالتالي إلحاق الضرر بحمضه النووي (DNA)   .

ملاحظة:

يرجى كتابة المصدر… (كاريزي).

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *